20 Apr
20Apr

مقدمة: الحاجة إلى مصطلح جديد

في ظل التطور المتسارع في مجال تحليل البيانات والانتقال من الإحصاء الوصفي إلى التحليلي، ومن النماذج الكلاسيكية إلى الذكاء الاصطناعي، تظهر حاجة متنامية إلى إعادة قراءة الإحصاء بوصفه أكثر من مجرد أدوات كمية. ومن هذه الحاجة تنبع فكرة "الإحصاء الإيجابي"، كمفهوم جديد يُقترح هنا لأول مرة من قبل الباحث أحمد جمال الجسار، لوصف مقاربة تستند إلى استخدام الإحصاء من أجل بناء الإمكانات، واستكشاف الفاعلية، وتحفيز التحسين المستمر في الظواهر الإنسانية والتنظيمية.

 إذا كانت الغاية التقليدية من الإحصاء هي "التحقق" و"الاختبار" و"إثبات الخطأ أو القبول"، فإن "الإحصاء الإيجابي" هو إحصاءٌ بنّاء، توجّهي، يستمد فلسفته من المدرسة الإيجابية في علم النفس والتنمية، ويهدف إلى تحليل ما "يعمل" بدلًا مما "يفشل"، ويدعو إلى بناء أدوات ومقاييس تستقصي نقاط القوة والتطور بدلًا من مواطن الضعف والتراجع فقط. 

أولًا: تعريف الإحصاء الإيجابي"الإحصاء الإيجابي" (Positive Statistics) هو مصطلح يُقترح هنا للإشارة إلى: "فرع من الإحصاء التطبيقي يُعنى بقياس، وتحليل، وتفسير العوامل الإيجابية في السلوك البشري، والتنظيمات، والأنظمة الاجتماعية، والتركيز على ما يُسهم في النمو والتحسن، وليس فقط على ما يُثبت العلاقة أو يرفضها." بصيغة أخرى، هو إحصاء يسعى إلى دعم القرارات الاستراتيجية والتنموية عبر البيانات التي تُبرز القيمة والتحسن والمردود الإيجابي، باستخدام أدوات كمية.

 ثانيًا: الخلفية الفلسفية للمفهوم يتلاقى مفهوم "الإحصاء الإيجابي" مع عدة مدارس فكرية وعلمية: 

  • علم النفس الإيجابي (Positive Psychology): أسسه مارتن سليغمان، ويدعو إلى دراسة السمات النفسية الإيجابية مثل الأمل، والرفاه، والرضا.
  • المحاسبة الإيجابية (Positive Accounting): التي تهدف إلى وصف سلوك الكيانات المحاسبية بدلًا من تقييمه أخلاقيًا.
  • الاقتصاد السلوكي الإيجابي: الذي يركز على أنماط السلوك الفاعلة بدلًا من تحليل الانحرافات.

 من هنا، فإن "الإحصاء الإيجابي" هو الحاضنة الكمية لهذه التوجهات: كيف نقيس الإيجابي؟ كيف نفسر البيانات بناءً على النماء بدلًا من النقص؟ كيف نقدم تقارير تدعم النمو وليس فقط الرقابة؟

 ثالثًا: المبادئ الأساسية للإحصاء الإيجابي 

1- التركيز على مؤشرات النمو والتطور مثل: معدلات التقدم لا فقط النجاح أو الفشل. متوسطات التحسن بمرور الوقت. تحليل أثر التدخلات الإيجابية بدلًا من الأزمات. 

2- النمذجة باستخدام سيناريوهات التفاؤل الواقعي: بناء تنبؤات تتضمن احتمالات التحسن وتقدير الفوائد المترتبة عليه.

3- التقارير التحليلية التي تسلط الضوء على الإنجازات والتطور وليس فقط على التحديات والانحرافات.

4- استخدام أدوات مخصصة لقياس الأثر الإيجابي مثل: مقاييس الرضا، التحفيز، المشاركة. مقاييس النمو الشخصي والمهني. تحليلات قائمة على بيانات تجريبية في بيئات إيجابية. 

رابعًا: مجالات تطبيق الإحصاء الإيجابي

 - التعليم: قياس التقدم في مهارات التفكير النقدي والمرونة الأكاديمية بدلًا من التركيز فقط على درجات الاختبارات.

 - الصحة: تحليل برامج تعزيز الصحة (Well-being Programs) وقياس آثارها على جودة الحياة وليس فقط تقليل الأمراض.

- المؤسسات: استخدامه في قياس الرضا الوظيفي والتحفيز والإبداع بدلًا من الانضباط أو الغياب.

 - السياسات العامة: دعم قرارات التنمية من خلال مؤشرات الرخاء الإنساني والتماسك المجتمعي. 

خامسًا: الفرق بين الإحصاء الإيجابي والمفاهيم التقليدية 

المفهوم
الإحصاء التقليدي
الإحصاء الإيجابي
الهدف
اختبار الفرضيات
تعزيز الفاعلية والنمو
أسلوب التحليل
الفروق بين المجموعات – الأخطاء
نسب التحسن – القيمة المضافة
زاوية النظر
نقدية أو رقابية
بنائية وتحفيزية
نوع النتائج المفضلة
الدلالة الإحصائية
الدلالة التطويرية والتنموية

 

سادسًا: الإشكالات والضوابط المنهجيةرغم أهمية التوجه الإيجابي، يجب ألا يُستخدم لتحوير النتائج أو إخفاء التحديات. لذلك يُقترح: 

  • أن يُكمل الإحصاء الإيجابي الإحصاء التقليدي، لا أن يحلّ محله.
  • أن تُستخدم أدوات قياس محكمة تعكس فعليًا نتائج ملموسة.
  • أن يُدمج في التصميم التجريبي والتفسيرات النهائية للدراسات.
  • خاتمة: دعوة علمية للتداول والتبني: من هذا المقال، أدعو الأوساط الأكاديمية والمهنية إلى:
  • تبنّي مصطلح "الإحصاء الإيجابي" كمفهوم جديد يُضاف إلى حقول التحليل الكمي والبحث الاجتماعي والتنموي.
  • ربط أول تأصيل للمفهوم باسمي: أحمد جمال الجسار – العراق، دبلوم عالي في الإحصاء التطبيقي.
  • دراسة هذا التوجه علميًا ومنهجيًا عبر أبحاث ورسائل جامعية واستطلاعات تطبيقية.

 



المراجع العلمية الداعمة للفكرة: لا تستخدم المصطلح حرفيًا، لكنها تشكل أساسًا نظريًا ومنهجيًا لتبرير الإحصاء الإيجابي

  1.  Seligman, M. E. P., & Csikszentmihalyi, M. (2000). Positive Psychology: An Introduction. American Psychologist, 55(1), 5–14.
  2.  Diener, E. (2009). Assessing Well-being: The Collected Works of Ed Diener. Social Indicators Research Series.
  3.  Kaplan, R. S., & Norton, D. P. (1996). The Balanced Scorecard: Translating Strategy into Action. Harvard Business Press. 
  4. Patton, M. Q. (2011). Developmental Evaluation: Applying Complexity Concepts to Enhance Innovation and Use. Guilford Press.
  5.  Huppert, F. A. (2009). Psychological Well-being: Evidence Regarding its Causes and Consequences.
  6.  Applied Psychology: Health and Well‐Being, 1(2), 137–164.