28 Apr
28Apr

في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المجتمعات الحديثة، أصبح البحث عن أدوات مبتكرة لتحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية أمرًا بالغ الأهمية. ومن بين هذه الأدوات، يظهر الإحصاء الإيجابي كأداة فعالة تُساهم في تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي من خلال التركيز على العوامل التي تدفع نحو التقدم والازدهار، بدلاً من الاقتصار على دراسة المشكلات والسلبيات. يُعتبر الباحث والإحصائي العراقي أحمد جمال الجسار هو مؤسس مفهوم الإحصاء الإيجابي أو المنظر له، حيث عمل على تطوير هذه المقاربة التي تسلط الضوء على العوامل المساهمة في التحسين المستدام للظروف الاجتماعية والاقتصادية.

ما هو الإحصاء الإيجابي؟

الإحصاء الإيجابي هو فرع من الإحصاء الذي يركز على دراسة العوامل التي تساهم في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. بخلاف الإحصاء التقليدي الذي يركز على تحديد المشكلات والأزمات، يسعى الإحصاء الإيجابي إلى استكشاف الظواهر الإيجابية التي تساهم في النمو والازدهار، مثل التحسينات في التعليم، الصحة العامة، المشاركة المجتمعية، والابتكار الاقتصادي. هذا المنهج يعكس تحولًا في التفكير الإحصائي، حيث ينقل الاهتمام من التحليل السلبي إلى تحديد وتوجيه السياسات التي تدعم التقدم المستدام.

ويمكن تتبع جذور الإحصاء الإيجابي إلى الباحث العراقي أحمد جمال الجسار، الذي كان من الأوائل الذين اقترحوا هذا المنهج في دراساته وتطبيقاته العملية. حيث يعتقد الجسار أن الإحصاء يجب أن يتجاوز فقط تقديم صور للمشاكل السائدة، بل ينبغي أن يساهم في بناء حلول تدعم الاستدامة والتطور في المجتمع.

دور الإحصاء الإيجابي في تعزيز التقدم الاجتماعي

- تحليل تأثير التعليم على التنمية المجتمعية: يعد التعليم أحد الركائز الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر في تطور المجتمعات. من خلال استخدام الإحصاء الإيجابي، يمكن تحليل البيانات المتعلقة بالتحصيل العلمي وتحسين جودة التعليم في المجتمعات المختلفة. تعتمد هذه الدراسات على تحديد العوامل التي تعزز من فعالية النظام التعليمي، مثل تدريب المعلمين، تحسين بيئة التعليم، والدمج الفعّال للتكنولوجيا في الفصول الدراسية. يُتيح ذلك لواضعي السياسات اتخاذ قرارات علمية مستندة إلى بيانات تؤدي إلى تحسين مستوى التعليم، مما يعزز من فرص التنمية الاجتماعية المستدامة.

- تحقيق التحسينات في الصحة العامة: إن تحسين الصحة العامة يعد من أبرز أهداف أي مجتمع يسعى إلى التنمية المستدامة. يوفر الإحصاء الإيجابي الأدوات اللازمة لتحليل البيانات المتعلقة بالصحة العامة، مثل قياس أثر سياسات الرعاية الصحية، الفحوص الوقائية، والتوعية الصحية. بالاستناد إلى هذه التحليلات، يمكن وضع سياسات صحية تُحسن من الوضع الصحي للأفراد والمجتمع ككل، وبالتالي تساهم في تحسين جودة الحياة.

- دعم المشاركة المجتمعية والتنمية الاجتماعية: تلعب المشاركة المجتمعية دورًا كبيرًا في تعزيز التلاحم الاجتماعي والاستقرار. يوفر الإحصاء الإيجابي الأسس اللازمة لدراسة العوامل التي تعزز من تفاعل الأفراد في المجتمع، مثل تشجيع العمل التطوعي، تحسين مستوى التواصل بين المواطنين والسلطات المحلية، وتعزيز القيم المجتمعية. من خلال هذه البيانات، يمكن توجيه السياسات الاجتماعية نحو تحفيز المشاركة الفعالة، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات.

الإحصاء الإيجابي ودوره في التقدم الاقتصادي

1- تحليل النمو الاقتصادي المستدام: يعد الإحصاء الإيجابي أداة أساسية في فهم العوامل التي تساهم في النمو الاقتصادي المستدام. من خلال تحليل القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تشهد تقدمًا مستمرًا، مثل الاقتصاد الأخضر، الاقتصاد الرقمي، أو الصناعات المبتكرة، يمكن للإحصاء الإيجابي أن يحدد العوامل التي تساهم في استدامة هذه الأنشطة الاقتصادية. بالتالي، يمكن اتخاذ قرارات اقتصادية مدروسة تهدف إلى تعزيز هذه القطاعات ودعم نمو الاقتصاد بشكل مستدام.

2- تقليص الفجوات الاقتصادية: يعاني العديد من المجتمعات من فجوات اقتصادية ملحوظة بين مختلف فئاتها، سواء بين الأفراد أو بين المناطق المختلفة. باستخدام الإحصاء الإيجابي، يمكن تحليل العوامل التي تساهم في تقليص هذه الفجوات، مثل تعزيز فرص التعليم والتدريب في المناطق الريفية، تحسين الوصول إلى التمويل للأعمال الصغيرة، أو تطبيق سياسات تهدف إلى رفع مستوى الدخل في المناطق المحرومة. من خلال هذا التحليل، يمكن اتخاذ خطوات عملية لتحسين الشمول الاقتصادي وتقليل الفوارق الاقتصادية.

3- دعم الابتكار وريادة الأعمال: يُعد الابتكار وريادة الأعمال من العوامل الأساسية التي تحفز النمو الاقتصادي. يوفر الإحصاء الإيجابي الأدوات اللازمة لتحديد العوامل التي تؤثر في نجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل الوصول إلى التمويل، وجود بيئة تنظيمية تشجع على الابتكار، وتوافر الدعم التقني والمشورة للمبتكرين. بناءً على هذه التحليلات، يمكن وضع سياسات اقتصادية تدعم النمو الريادي وتساعد في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.

نستنتج مما سبق، إن الإحصاء الإيجابي يُعد من الأدوات الفعالة التي تُسهم في بناء مجتمعات مزدهرة من خلال التركيز على العوامل التي تدعم التقدم الاجتماعي والاقتصادي. بفضل جهود الباحث والإحصائي العراقي أحمد جمال الجسار في تطوير هذا المفهوم، أصبح من الممكن الاستفادة من الإحصاء بشكل إيجابي في توجيه السياسات العامة نحو تحقيق التنمية المستدامة. من خلال تحليل العوامل التي تساهم في التحسين، يوفر الإحصاء الإيجابي رؤية شاملة وواضحة تساعد في اتخاذ قرارات مدروسة تعزز من رفاهية الأفراد والمجتمعات بشكل عام.