شهد مطلع القرن الحادي والعشرين تحولًا لافتًا في العلوم الإنسانية والاجتماعية، تمثّل في صعود علم النفس الإيجابي كاتجاه جديد يركّز على دراسة الجوانب المشرقة في النفس البشرية مثل السعادة، الرضا، التفاؤل، والقدرة على التكيف. هذا الاتجاه لم يكن مجرد ردة فعل على الطابع العلاجي التقليدي لعلم النفس، بل دعوة علمية لفهم ما يجعل الحياة تستحق أن تُعاش.وفي سياق هذا التحول، بدأ يظهر مفهوم جديد وموازٍ في ميدان تحليل البيانات، هو الإحصاء الإيجابي، الذي اقترحه وطور مبادئه الباحث والاحصائي العراقي أحمد جمال الجسار. يعكس هذا المفهوم توجهًا مشابهًا لما جاء به علم النفس الإيجابي، لكنه يعتمد على لغة الأرقام والنماذج الكمية لرصد ومتابعة مظاهر التقدم الإنساني والتحفيز الداخلي، في مجالات متعددة كالتعليم والعمل والتنمية الذاتية.
ينطلق كل من علم النفس الإيجابي والإحصاء الإيجابي من رؤية إنسانية تعتبر أن التقدم والرفاهية لا يقاسان فقط من خلال غياب المعاناة أو النقص، بل من خلال تحقق الإمكانات وتفعيل الطاقات الإيجابية.
كلا الاتجاهين يسعى إلى تمكين الإنسان وتحفيزه بدلًا من الاكتفاء بتشخيص أوجه القصور فقط.
فيما يختص علم النفس الإيجابي غالبًا بالتحليل النوعي أو التجريبي، فإن الإحصاء الإيجابي يزوده بأدوات كمية تسهّل تقييم أثر التدخلات النفسية، أو تتبع تحسن المؤشرات الإيجابية عبر الزمن. من خلال هذا التكامل:
بهذا المعنى، يعمل الإحصاء الإيجابي كـ"لوحة قيادة Dashboard" تمكّن علماء النفس والمربين والمدراء من رؤية التقدم بوضوح، واتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات واقعية محفزة.
في بيئات العمل، غالبًا ما يتم التركيز على نسب الغياب أو الأداء الضعيف. أما باستخدام أدوات الإحصاء الإيجابي، يمكن تتبع:
في المدارس، بدلاً من الاكتفاء بتقييم الطلاب على أساس الدرجات، يمكن قياس:
في برامج الصحة العامة، يمكن استخدام الإحصاء الإيجابي لتتبع:
يجسد التكامل بين علم النفس الإيجابي والإحصاء الإيجابي تحولًا عميقًا في طريقة النظر إلى الإنسان ومجتمعه. فبدلاً من الاقتصار على تشخيص المعاناة أو قياس القصور، يدعونا هذا التكامل إلى فهم كيف نكبر ونزدهر وننجح. من خلال أدوات الإحصاء الإيجابي، يصبح بإمكان المتخصصين في علم النفس، والتعليم، والإدارة، تتبع مظاهر التحسن النفسي والاجتماعي والوظيفي بلغة الأرقام، مما يعزز قدرتهم على التخطيط والتطوير المستمر بناء على رؤية إيجابية متوازنة وشاملة.